بينما يجتمع رؤساء وكالات الأمم المتحدة على انفراد في مونترو لمناقشة مستقبل الأمم المتحدة، تجتمع في مكتب الأمم المتحدة في جنيف أكثر من 150 ناشطة بارزة في مجال حقوق المرأة والسلام من جميع أنحاء العالم بين ٢٦ و٢٨ نيسان ٢٠١٧ لمناقشة وتحليل كيفية إصلاح النظام الدولي بشكل جماعي للعودة تحديدًا إلى مبادئ الأمم المتحدة.
إن المؤتمر الذي نظمته الرابطة تحت عنوان “استعادة الأمم المتحدة لدورها كمنظمة سلام، لضمان مشاركة واسعة للنساء في تحقيق السلام وتعزيز التعددية” حضرته منظمات مجتمع مدني وتحالفات دولية متنوعة بقيادات نسائية. وتُعد إقامة مناقشات معمّقة بشأن نزع الأسلحة، والاقتصاد السياسي، ووضع برامج إنسانية وتنموية وديناميات سلام وأمن تراعي النوع الاجتماعي، ولا سيما على الصعيد المحلي.
ويتعالى في هذا الصدد صوت قوي يقول: على النساء والمجموعات النسائية المحلية أن تكون في صميم جهود منع نشوب الصراعات لأنها تمتلك التحليل، والمعرفة، والقدرة على القيام بذلك. المشاركات من اليمن وسوريا وفلسطين وكولومبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والبوسنة وكوسوفو وبلدان أخرى طالبن الأمم المتحدة بأن تسمعهن وأن تستمع الى المجتمعات المحلية المتأثرة بالنزاعات التي تمثلها هؤلاء النساء. ويجب على الأمم المتحدة، بوصفها منظمة سلمية، أن تنتقل من إدارة الصراعات الى معالجة الأسباب الجذرية لعدم الإستقرار، مما يسهم في بناء “سلام نسوي مستدام” مع النساء في الصدارة.
وقد عقد هذا الإجتماع على خلفية تزايد النزعة العسكرية والخوف وتقلص المساحة المتاحة للمجتمع المدني الحر والمستقل. ومما زاد من تعقيد ذلك أزمة حقيقية وجدية من الشرعية والمصذاقية والثقة في الأمم المتحدة: تراجع الحكومات عن الإيفاء بالتزاماتها حيال أطر الأمم المتحدة لحقوق المرأة، والمشاركة الفعالة والهادفة من جانب المجموعات النسائية، ونقص التمويل والموارد، ولاسيما العمل على المستوى المحلي، فضلاً عن تراجع المعايير الدولية المتعلقة بالسلام وفض النزاعات، ولا سيما احترام القانون الإنساني الدولي ومعايير حقوق الإنسان.
وفي المجتمعات المتأثرة بالنزاعات، النساء هن المستجيبات الأساسيات للإحتياجات الإنسانية التي لا يمكن للمجتمعات المحلية البقاء على قيد الحياة بدونها. أوضحت المشاركات أنه رغم الجهود الميدانية الشجاعة والحاسمة للناشطات المحليات، فإنهن لا يحصلن غالبًا إلا على دعوة لحضور مداولات سياسية جانبية معزولة ذات طابع رمزي تتعلق بعملهن.

حيث أكدت الناشطة جوليان لوسنغ من جمهورية الكونغو الديمقراطية على أن: “المشاركة تعني الاستماع لنا. فوجودنا ليس مجرد ديكور، بل يستدعي الإصغاء لما نقوله وإيجاد الحلول المشتركة”.
وبالمثل، تقول الباحثة الاجتماعية والناشطة اليمنية رشا جرهوم: “كسرت الناشطات اليمنيات الحصار عن مدينة تعز لإدخال الإمدادات الطبية، وأوجدت أخريات فسحة للحياة المدنية ونبذ العنف في عدن في مواجهة الفصائل المتطرفة. ومع ذلك فإننا نجاهد لمجرد الحصول على معلومات أساسية بشأن محادثات الأمم المتحدة المتعلقة ببلادنا، أو توكل إلينا مهام جانبية عندما نطلب القيام بأدوار أساسية”.
ولفتت الناشطة الشبابية هاجر الشريف، إحدى مؤسِّسات شبكة 1325 في ليبيا، نظر المشاركات إلى “حق الفتيات اللواتي نشأن في فترة الحرب، وتمتعهن بالخبرة اللازمة، للاضطلاع بدور رائد في وضع الحلول وجدول أعمال المستقبل”.
إن الموجة السائدة في الوكالات الدولية لوضع عمل الناشطات في إطار “مكافحة نزعة التطرف العنيف” تستغل عملهن، كما تجعلهن عرضة للاستهداف.

وقالت مارسيل شحوارو من منظمة كش ملك، وهي منظمة غير حكومية سورية تدير أربعة مراكز تعليم وتوعية داخل سوريا: “صحيح إن ما نقوم به كناشطات يتحدى بطبيعته جوهر العنف المتطرف. ولكن علينا أن نتحدى أيضًا العنف الذي ترتكبه الدولة وأطراف الصراع الأخرى في سوريا. لقد فشلت الأمم المتحدة فشلًا ذريعًا في منع هذا العنف حتى الآن”.
وسلطت المتحدثات، واحدة تلو الأخرى، الضوء على مسار تراجع عمل الأمم المتحدة بشأن حقوق النساء أمام الموجة المتزايدة لكراهية الأجانب، وميل الحكومات إلى اعتماد حلول عسكرية لما هو في الواقع تحديات سياسية معقدة في البلدان المتأثرة بالنزاعات.
وشرحت روزا ماريا سالامانكا؛ مديرة مؤسسة الأبحاث والعمل الاجتماعي والاقتصادي في كولومبيا، كيف أعدت الحركة النسائية أجندة نسائية محلية وتمكنت من وضعها على طاولة مفاوضات السلام في مواجهة ميليشيات المعارضة المحلية المتنامية. وقالت: “عملنا أربع سنوات لضمان طرح قضايا النساء على طاولة المفاوضات بين القوات المسلحة الثورية الكولومبية والحكومة. وندرك أن ثمة المزيد للقيام به. وهناك نماذج عديدة يجب تغييرها. ولا بد من إجراء تغييرات ملموسة في البلاد، وإلا فلن يشعر الناس بالسلام. فالسلام يتعدّى مجرد إسكات البنادق، وليس كافيًا وقف تقاتل الناس فيما بينهم. يجب أن نحيا الآن بطريقة مختلفة”.
وقالت نيلا بوروبيك إيساكوفيتش، في معرض حديثها عن البوسنة: “كان كل ما جرى في البوسنة مجتزأً على المدى الطويل، حيث وقّعنا اتفاق سلام لم يلحظ أية تعويضات، ولا يزال الأمر كذلك بعد عشرين عامًا. وأُضفيت الشرعية على النخب السياسية التي تسببت بالحرب، عن طريق ترشحها للانتخابات في إطار العملية الديمقراطية، مستفيدةً من شبكاتها السلطوية السابقة. ويرتهن الاقتصاد السياسي للبلاد لمبادئ السوق الحرة، الذي يعني حرمان النساء من حق الحصول على الفرص الاقتصادية. وقد انجرّ المجتمع المدني إلى تقديم الخدمات، مما يعني فقدان مجال التضامن والعمل السياسي. والعاقبة الوخيمة لذلك أننا وجدنا أنفسنا نعمل الآن من أجل حقوق فردية وليست جماعية”.
وعلى حد تعبير رندة سنيورة، مديرة مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي في فلسطين: “نحن بحاجة لتغيير قواعد اللعبة”. لقد بات العمل النسوي لتغيير علاقات السلطة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

قالت مادلين ريس، الأمينة العامة لرابطة النساء الدولية للسلام والحرية، في جلسة الحوار الختامية: “يجب أن ننتقل من السلام الليبرالي إلى السلام النسوي القائم على قيادة نسائية محلية”.
ووفقًا للمشاركات، تتطلب استعادة الأمم المتحدة لدورها كمنظمة سلام أن تصبح مؤسسة نسوية. ودعت المشاركات إلى العمل الفوري من أجل:
وصم الحرب من خلال عمليات نزع الأسلحة
دعم حركة نسوية محلية وعالمية قوية
حماية حياة وعمل المدافعات عن حقوق الإنسان
إنشاء وتعزيز مساحات تمكين آمنة في عمليات الأمم المتحدة على الصعيدين المحلي والدولي
احترام تحاليل ومساحات وعمل المجتمع المدني النسوي المحلي، والبناء على ما سبق وبدأ بالعمل عليه
تقدير عمل النساء في مجال السلام مع التزامات التمويل التي لا تجعل من السلام مشروعا
مقاومة الهيمنة الإقتصادية النيوليبرالية التي تدعم الإستغلال الربحي للحروب وتقوض حقوق النساء
ضمان مساءلة الدول عن انتهاكات حقوق النساء من خلال فرض عواقب على المنتهكين
لقد دُعي إلى عقد هذا المؤتمر بعد منع ناشطات عديدات من حضور الاجتماع السنوي في نيويورك للجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة، جراء الاجراءات السياسة الأمريكية الجديدة بشأن الهجرة. وبينما سعت بعض الناشطات للحصول على تأشيرات دخول، فإن منظمات أخرى، مثل رابطة النساء الدولية للسلام والحرية، تختار الإحتجاج على تلك الإجتماعات تعبيرًا عن تضامنها، واستخدمت منظمات أخرى مشاركتها للفت الانتباه إلى أصوات النساء المفقودة.
وضمانًا لعقد اجتماعات مفتوحة وشاملة، فقد بُثت جميع الجلسات العامة مباشرة على صفحة الرابطة على الفيسبوك، ودُعي المشاهدون إلى طرح الأسئلة على اللجان. وجميع الفيديوهات متاحة على الرابط facebook.com/wilpf.